نحن فى ساعة الجد نلعب وهم فى ساعة اللعب يجتهدون ويلعبون بجد، هذا هو الفرق بيننا وبينهم، همست بها إلى نفسى وأنا أتابع هذا الافتتاح الرائع لأولمبياد لندن، وتساءلت هل بمجرد الأمنيات والدعاء والحماس سنحصد ميداليات فى هذه الدورة؟ بالطبع لا، وذلك لسبب بسيط وهو أن اللعب أيضاً علم، الرياضة علم، الرياضة تعكس منهج التفكير، الرياضة أفضل نشاط مجتمعى يعكس روح العلم فى مجتمع أو بلد ما؛ لأن الرياضة تناسق فهى تفضح البلد العشوائى، لأن الرياضة إيقاع فهى تفضح الوطن النشاز؛ لأن الرياضة عمل وجهد وعرق فهى تفضح المجتمع الكسول الخامل، لذلك وبمنتهى البساطة سنعود من الأولمبياد ونحن للأسف نحتل ذيل قائمة البلاد، لا أقولها جلداً للذات ولا تثبيطاً للهمم ولكنى أقولها ترجمة لواقع واعترافاً بوضع متخلف.

كسر الثانية الذى يتنافس فيه أبطال سباق الجرى مائة متر والذى يعد عروس ألعاب القوى، هل كسره وتحطيم رقمه القياسى السابق يأتى مصادفة؟!، إنه نتيجة منهج علمى مدروس وليس مجرد صرخات من قبيل.. يالله يا بطل.. . شد حيلك.. . أكيد ربنا حينصرك!!، ربنا لن ينصر الرياضى إلا إذا نصر هو نفسه بالتدريب والجهد واتباع المنهج العلمى السليم حتى ولو كان بوذياً!!، بطل سباق الجرى أو بطل سباحة مثل فيليبس الذى حصد سبع ميداليات ذهبية منفرداً من قبل أو بطل القفز بالزانة أو رمى القرص أو الجلة أو الوثب.. إلخ، كيف يحقق حلمه فى كسر رقم ما بين كسور الثوانى والسنتيمترات؟ إن هذه الثانية أو هذا السنتيمتر ليس نتاج فهلوة أو حصاد دعاء الوالدين، ولكنه حصاد دراسة تمارين تراعى العضلات وجهدها وحملها، ما العضلات التى نحتاج إلى تنميتها وتقويتها فى هذا السباق؟ هل نتوقف قبل السباق عن التمرين أم نستمر؟ ما الوزن المثالى؟ ما التدريبات النفسية وكيف نحصل على الثبات الانفعالى؟ ما قوة المنافس؟ هل سيؤثر المناخ؟ حتى شكل الحذاء الرياضى مدروس بطريقة علمية، فحذاء العدو مختلف عن حذاء السلة وعن التنس وهكذا!!.

مجتمع عشوائى لن يكسب ميدالية خشبية إلا مصادفة أو لو تدرب مواطنها الرياضى فى دولة أجنبية واحتفظ بجنسيته!!، التفكير بالتمنى يجعل الأحلام تداعبنى بأن تحتل مصر مركزاً متقدماً ولكن الواقع يوقظنى ويصدمنى ويهزنى قائلاً: فكر بواقعية وشوف العشوائية اللى حواليك.. لا يمكن أن تفرز بطولة، لن تفرز إلا هزائم.

الدول الفقيرة مثل مصر تركز فى رياضة أو رياضتين، يعنى ببساطة تواجه نفسها بالحقيقة وتعرف طاقتها الرياضية والمادية وتحلم على قدها وتضخ معظم ميزانيتها الرياضية فى رياضات معينة تعرف جيداً أنها ستستطيع المنافسة فيها، باكستان مثلاً تركز فى الهوكى، المغرب وكينيا فى الجرى؛ لكن إحنا ياولداه تايهين، لا ركزنا فى مصارعة أو سباحة أو رفع أثقال أو تجديف أو غطس، اتحاداتنا الرياضية تركز فقط فى الصراعات والزومبات والبدلات، والدولة لا تنظر إلا إلى كرة القدم التى لم نطل منها على كأس عالم منذ ما يقرب من ربع قرن التى لو أنجزت بعثتها التى تتكون من خمسين بنى آدم وتمطعت، فلن تحرز إلا لقب أفضل فريق خاسر، بينما يحرز عداء كينى أو جواتيمالى ميداليتين وثلاثاً.

متى نقتنع بأنه حتى اللعب جد وجد الجد كمان؟